New Step by Step Map For نقاش حر



أما الليبرالية العربية الجديدة فهذه الحرب تبشّر أيضًا بولادتها؛ ليس المقصود “النيوليبرالية” بل الليبرالية التي تتجاوز أزمة الليبراليين العرب المزمنة وهي عجزها عن الإيمان الصادق والتنظير القوي لمثلث الحريّات والقضايا التاريخية وفكرة الدولة؛ لطالما كانت الليبرالية العربية بعد الاستقلال -لأسباب تاريخية وسياسية- ترى هذه الأمور متناقضات تعجز عن الجمع بينها. ليبراليون عرب بارزون يقفون اليوم بلا مواربة مع المقاومة الفلسطينية ويفهمون أمورًا مثل الكرامة الوطنية والأمن القومي والمشترك الثقافي العربي إلى جانب حقوق الإنسان والديمقراطية ويتمكنون من الربط بينهما، ويستطيعون مقارعة المساندة الغربية للإجرام الإسرائيلي بدون تأتأة، وبدون أن يدفعهم ذلك إلى نفي إيمانهم بالحريات والديمقراطية.

وأكد تكرار التجربة أسبوعيا، من أجل جعل قضية المعتقلين قضية حية ومحورا للحديث والنقاش، وتجميع الأفكار التي تصب في مصلحتهم، وتوحيد الجهود في هذه القضية.

وحسب كلير تشامبيرس، محاضرة في الفلسفة السياسية في كلية جيسس كامبريدج: "إذا كنا لا نتفق على القيم الأساسية، فلا يمكننا الخوض في نقاش.

فيسبوك تويتر لينكدإن واتساب مشاركة عبر البريد طباعة

 هذا الأمر يفسّر بعض ما نحبه وما لا نحبّه فينا: يفسر هذا الإخلاص والصلابة الشعبية التي لا تصدأ في الموضوع الفلسطيني، ويفسّر كذلك أشنع تناقض أخلاقي عاشه العرب في تاريخهم الحديث المتمثّل في أن بعض كبار محبّي فلسطين من النخب أو من القطاعات الشعبية لم تهزّه كثيرًا نكبة شنيعة أخرى هي المذبحة التي طالت الشعب السوري على يد نظام بشار الأسد وحلفائه.

المسألة عند هؤلاء ليست طائفية فقط كما يرى البعض؛ بعضهم يقف مع فلسطين بإخلاص لأنها جزء من تكويننا الثقافي وليس لأنها قضيّة عدالة في المقام الأول. بالنسبة لنا عربًا علينا تمثّل القضية في بعديها التاريخي والأخلاقي؛ محاولة فصد هذين المكوّنين في الوعي والضمير العربيين عن بعضهما ينتجان مشاكل ومآزق سياسية وأخلاقيّة لا يمكن الخروج منها بسهولة.

يقول جيوف مولغان، المدير التنفيذي لمؤسسة نيستا لتسويق الابتكار العالمي: "يجب أن يكون الأشخاص راغبين في تخطي الأمر إن خسروا الجدال، فهذا من شأنه "أن يُظهر نضجاً وشجاعة حقيقة، ولا يجب على أحد أن يستاء إذا كان مخطئاً".

في العقد الأخير قويت كثيرًا خطابات الهويّة الرافضة للعروبة في مصر ولبنان والسودان والمغرب برعاية الدولة في حين انتعشت المليشيات الطائفيّة فهدمت العمران والتمدن في أكثر من دولة عربية، وتوصل النظام العربي إلى مقاربته الجديدة لتصفية القضية الفلسطينية. ملخّص تلك المقاربة هو تجاهلها تمامًا. وهكذا دخل العرب في دين التطبيع أفواجًا، وبحماسة شبه دينية فعلًا، بدون اشتراطات ولو تجميلية بخصوص القضية الفلسطينية، ومع أسوأ الحكومات الإسرائيلية وأشنعها تطرّفًا، وارتاحت الولايات المتحدة الأمريكية لهذه المقاربة وشجّعتها.

تساءلت مقالة توفيل عن سبب رفض الأشخاص الذين يدعمون بقوة حق المرء في اختيار جنسه حقاً مماثلاً في اختيار عرقه.

صور من جناية القانون اليمني على المرأة في قضية ولاية الزواج

المشهد التلفزيوني نور اليمني.. قراءة نقدية في الدور والوظيفة

أولاد وأحفاد هؤلاء العمال أصبحوا اليوم في نسيج مجتمع المدينة وبرجوازيتها؛ دخلوا مدارس الدولة ومعاهدها المهنية وجامعاتها واندمجوا في أشغال الطبقة الوسطى. لا يمكن فهم التغيُّر الحاصل في هذه المجتمعات إزاء القضية الفلسطينية بدون احتساب هذه النقلة الطبقية-الثقافية التي حققها المواطنون من أصول عربية أو مسلمة في هذه المجتمعات. هذا ما تحاول النخب الأوروبية اليوم الوقوف أمامه، ولكن لأنه تحوّل تاريخي فلا يمكن في الحقيقة التصدّي له إلا بالحرب. ما تفعله نخب أوروبا اليوم إزاء حرب الإبادة على غزة وإزاء قطاعات من مجتمعها ترفض هذه الإبادة هو شدّ الاستقطاب إلى حدود قصوى تنبئ بتحول الاستقطاب إلى احتراب أهلي ثقافي خطير ولا يبدو أن ثمّة عقلاءً مستعدون تجنّبًا إياها لعقد تسويات اجتماعيّة تعترف بالتحولات التي تحدث وتضعها في الاعتبار في أثناء عملية صناعة السياسات. وهذا له أسباب كثيرة ليس هذا مقام الخوض فيها. المهم هنا أن هذا السلوك الأوروبي يطابق السلوك العربي؛ لم يعد النظام العربي يقبل بأن يتقدّمه الشارع في القضية الفلسطينية، أصبح يريد أن يحبس الشارع خلفه مهما كانت سياساته وأن يوقف كل تحولات المجتمع السياسية والجيلية؛ يبتغي تأميم القضية الفلسطينية بحيث تصغر إلى شأن يعالجه جهاز الدولة مثل أي شأن بيروقراطي آخر.

المشهد التلفزيوني اليمني.. قراءة نقدية في الدور والوظيفة

وصل النظام العربي في هذه الحرب إلى الخطوة ما قبل الأخيرة في محاولته التخلّص من المسألة الفلسطينية؛ لم يبقَ أمامه مستقبلًا إلا التحالف عسكريًا مع إسرائيل ضد الفلسطينيين. لا يبدو أن النظام سيغيّر مقاربته للمذبحة في غزة إن لم يوضع تحت ضغط شعبي واضح ومحسوس (وليس بالضرورة مرئي). ولكن أيًا كانت نتائج حرب الإبادة والتهجير على غزة، فإن النظام سيدخل في مرحلة جديدة داخليًا ودوليًا. يُقال كثيرًا إن الناس تنسى، وهذا صحيح؛ ينسى الناس الأحداث، ولكنهم لا ينسون أبدًا رضوضها المهينة. المرارات التاريخيّة تُحفَر في وعي المجتمعات لأن العالم الحديث يفترض استمرارية التاريخ واتصاله ولأنه يفترض أن هناك أفكارًا خطيرة (مخترعة حديثًا) مثل المصير المشترك والكرامة الوطنية، ولأن ثمّة مثقفين وأدباء يخلّدون هذه الآلام في الوعي الجمعي. يصعب التنبّؤ بحركة المجتمعات؛ قد ينفجر الناس غضبًا مما يحدث وقد يلزمون بيوتهم يأكلهم العجز والشعور بالاستباحة، ولكن استشراف أثر الإهانات عليهم وعلى مستقبل بلدانهم ليس صعبًا. سيخرج النظام العربي من هذه الحرب وقد استفحلت أزمة شرعيّته. أما خارجيًا فستكون لإسرائيل سطوة مذلّة على الإقليم لا يمكن لجمها.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *